س44: ما هو الشرك وما أنواع الشرك؟ ج44: اعلم أن التوحيد ضد الشرك.
والشرك ثلاثة أنواع: شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك خفي.
النوع الأول: الشرك الأكبر وهو أربعة أنواع:
الأول: شرك الدعوة، قال تعالى: "
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ " [سورة العنكبوت:65].
الثاني: شرك النية، الإرادة والقصد، قال تعالى: "
مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * اوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " [سورة هود:15-16].
الثالث: شرك الطاعة، قال تعالى: "
اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " [سورة التوبة:31].
الرابع: شرك المحبة، قال تعالى: "
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " [سورة البقرة:165].
النوع الثاني: شرك أصغر وهو الرياء، قال تعالى: "
فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً " [سورة الكهف:110].
النوع الثالث: شرك خفي، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: "
الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل " (1).
س45: ما الفرق بين القدر والقضاء؟ ج45: القدر في الأصل مصدر قدر، ثم استعمل في التقدير الذي هو التفصيل والتبيين، واستعمل -أيضاً- بعد الغلبة في تقدير الله للكائنات قبل حدوثها.
وأما القضاء: فقد استعمل في الحكم الكوني، بجريان الأقدار وما كتب في الكتب الأولى، وقد يطلق هذا على القدر الذي هو: التفصيل والتمييز.
ويطلق القدر -أيضاً- على القضاء الذي هو الحكم الكوني بوقوع المقدرات.
ويطلق القضاء على الحكم الديني الشرعي، قال الله تعالى: "
ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ " [سورة النساء:65]، ويطلق القضاء على الفراغ والتمام، كقوله تعالى: "
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ " [سورة الجمعة:10]، ويطلق على نفس الفعل، قال تعالى: "
فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ " [سورة طه:72].
ويطلق على الإعلان والتقدم بالخبر، قال تعالى: "
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ " [سورة الإسراء:4] ويطلق على الموت، ومنه قوله: قضي فلان، أي: مات، قال تعالى: "
وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ " [سورة الزخرف:77]، ويطلق على وجود العذاب، قال تعالى: "
وَقُضِيَ الأَمْرُ " [سورة البقرة:210].
ويطلق على التمكن من الشيء وتمامه، كقوله: "
وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ " [سورة طه:114]، ويطلق على الفضل والحكم، كقوله: "
وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ " [سورة الزمر:69]، ويطلق على الخلق، كقوله تعالى: "
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ " [سورة فصلت:12].
ويطلق على الحتم، كقوله تعالى: "
وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً " [سورة مريم:21]، ويطلق على الأمر الديني، كقوله: "
أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ " [سورة يوسف:21]، ويطلق على بلوغ الحاجة، ومنه: قضيت وطري، ويطلق إلزام الخصمين بالحكم، ويطلق بمعنى الأداء، كقوله تعالى: "
فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ " [سورة البقرة:200].
والقضاء في الكل: مصدر، واقتضى الأمر الوجوب، ودل عليه، والاقتضاء هو: العلم بكيفية نظم الصيغة، وقولهم: لا أقضي منه العجب، قال الأصمعي: يبقي ولا ينقضي.
س46: هل القدر في الخير والشر على العموم جميعاً من الله أم لا؟ ج46: القدر في الخير والشر على العموم، فعن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد فقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس، فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: "
ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلا وقد كتب الله مكانها في الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة " قال: فقال رجل: أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال: "
من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة " ثم قرأ: "
فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى "(2) [سورة الليل: 5 - 10].
وفي الحديث: "
واعملوا فكل ميسر، أما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة " ثم قرأ: "
فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى " (3) [سورة الليل: 5-6].
س47: ما معنى لا إله إلا الله؟ ج47: معناها لا معبود بحق إلا الله، والدليل قوله تعالى: "
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ " [سورة الإسراء:23]، فقوله: "
أَلاَّ تَعْبُدُواْ " فيه معنى لا إله، وقوله: "
إِلاَّ إِيَّاهُ " فيه معنى: إلا الله.
س48: ما هو التوحيد الذي فرضه الله على عبادة قبل الصلاة والصوم؟ ج48: هو توحيد العبادة، فلا تدعو إلا الله وحده لا شريك له، لا تدعو النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، كما قال تعالى: "
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً " [سورة الجن:18].
س49: أيهما أفضل: الفقير الصابر أم الغني الشاكر؟ وما هو حد الصبر وحد الشكر؟ ج49: أما مسألة الغنى والفقر، فالصابر والشاكر كل منهما من أفضل المؤمنين، وأفضلهما أتقاهما، كما قال تعالى: "
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " [سورة الحجرات:13].
وأما حد الصبر وحد الشكر: المشهور بين العلماء أن الصبر عدم الجزع، والشكر أن تطيع الله بنعمته التي أعطاك.
س50: ما الذي توصيني به؟ ج50: الذي أوصيك به وأحضك عليه: التفقه في التوحيد، ومطالعة كتب التوحيد، فإنها تبين لك حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله، وحقيقة الشرك الذي حرمه الله ورسوله وأخبر أنه لا يغفره، وأن الجنة على فاعله حرام، وأن من فعله حبط عمله والشأن كل الشأن في معرفة حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله وبه كان الرجل مسلماً مفارقاً للشرك وأهله.
اكتب لي كلاماً ينفعني الله به أول ما أوصيك به: الالتفات إلى ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله -تبارك وتعالى- فإنه جاء من عند الله بكل ما يحتاج إليه الناس، فلم يترك شيئاً يبعدهم من الله ويقربهم إلى عذابه إلا نهاهم وحذرهم عنه. فأقام الله الحجة على خلقه إلى يوم القيامة، فليس لأحد حجة على الله بعد بعثه محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال الله - عز وجل - فيه وفي إخوانه من المرسلين: "
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ " إلى قوله: "
لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً " سورة النساء:163 - 165].
فأعظم ما جاء به من عند الله وأول ما أمر الناس به توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين له وحده، كما قال -عز وجل: "
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ " [سورة المدثر: 1- 3] ومعنى قوله: "
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ " أي عظم ربك بالتوحيد وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له. وهذا قبل الأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرهن من شعائر الإسلام.
ومعنى: "
قُمْ فَأَنذِرْ " أي: أنذر عن الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له. وهذا قبل الإنذار عن الزنا والسرقة والربا وظلم الناس وغير ذلك من الذنوب الكبار.
وهذا الأصل هو أعظم أصول الدين وأفرضها، ولأجله خلق الله الخلق، كما قال تعالى: "
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ " [سورة الذاريات: 56].
ولأجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، كما قال تعالى: "
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ " [سورة النحل:36].
ولأجله تفرق الناس بين مسلم وكافر، فمن وافى الله يوم القيامة وهو موحد لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن وافاه بالشرك دخل النار، وإن كان من أعبد الناس. وهذا معنى قولك (( لا إله إلا الله )) فإن الإله هو الذي يدعى ويجرى لجلب الخير ودفع الشر ويخاف منه ويتوكل عليه.
----------------------
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/291) وأبو نعيم في حلية الأولياء (8/368 ، 9/253) من حديث عائشة رضي الله عنها وأخرجه أبو نعيم في الحلية (3/31 ، 114) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما كلاهما بهذا اللفظ وبلفظ مقارب أخرجه البخاري في الأدب المفرد (716) وأحمد (4/403) وأبو يعلي (59 - 62) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وكذا أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/112) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه. صحح الحديث الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد (551) في وصحيح الجامع (3730) بمجموع طرقه وشواهده.
(2) متفق عليه. البخاري (1362 ، 4945 - 4949، 6217 ، 6605) ومسلم (2647).
(3) هذا لفظ في بعض رويات الحديث المذكور انفا
::::::::::::::::::::::::::::
س: هل يكفي النطق بالركن الأول شهادة أن لا الله إلا الله وأن محمدا رسول الله أم لا بد من أشياء أخرى حتى يكتمل إسلام المرء؟ جـ : إذا شهد الكافر أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عن صدق بذلك ويقين وعلم بما دلت عليه وعمل بذلك دخل في الإسلام ثم يطالب بالصلاة وباقي الأحكام ، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له : ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا الله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم فلم يأمرهم بالصلاة والزكاة إلا بعد التوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا فعل الكافر ذلك صار له حكم المسلمين ، ثم يطالب بالصلاة وبقية أمور الدين ، فإذا امتنع عن ذلك صارت له أحكام أخرى ، فإن ترك الصلاة استتابه ولي الأمر فإن تاب وإلا قتل . وهكذا بقية الأحكام يعامل فيها بما يستحق .
مجموع فتاوى ومقالات_الجزء الخامس للشيخ بن باز رحمه الله س : الإيمان والتوحيد والعقيدة أسماء لمسميات هل تختلف في مدلولاتها ؟ . جـ : نعم ، تختلف بعض الاختلاف ، ولكنها ترجع إلى شيء واحد . التوحيد هو إفراد الله بالعبادة ، والإيمان هو الإيمان بأنه مستحق للعبادة ، والإيمان بكل ما أخبر به سبحانه ، فهو أشمل من كلمة التوحيد ، التي هي مصدر وحد يوحد ، يعني أفرد الله بالعبادة وخصه بها ؛ لإيمانه بأنه سبحانه هو المستحق لها ؛ لأنه الخلاق ؛ لأنه الرزاق ؛ ولأنه الكامل في أسمائه وصفاته وأفعاله ؛ ولأنه مدبر الأمور والمتصرف فيها ، فهو المستحق للعبادة ، فالتوحيد هو إفراده بالعبادة ونفيها عما سواه ، والإيمان أوسع من ذلك يدخل فيه توحيده والإخلاص له ، ويدخل فيه تصديقه في كل ما أخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام ، والعقيدة تشمل الأمرين ، فالعقيدة تشمل التوحيد ، وتشمل الإيمان بالله وبما أخبر به سبحانه أو أخبر به رسوله ، والإيمان بأسمائه وصفاته ،
والعقيدة : هي ما يعتقده الإنسان بقلبه ويراه عقيدة يدين الله بها ويتعبده بها ، فيدخل فيها كل ما يعتقده من توحيد الله والإيمان بأنه الخلاق الرزاق وبأنه له الأسماء الحسنى والصفات العلى ، والإيمان بأنه لا يصلح للعبادة سواه ، والإيمان بأنه حرم كذا وأوجب كذا وشرع كذا ونهى عن كذا ، فهي أشمل .
مجموع فتاوى ومقالات_الجزء السادس للشيخ بن باز رحمه الله س: ما حكم من يوحد الله تعالى ولكن يتكاسل عن أداء بعض الواجبات ؟ : يكون ناقص الإيمان، وهكذا من فعل بعض المعاصي ينقص إيمانه عند أهل السنة والجماعة؛ لأنهم يقولون الإيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومن أمثلة ذلك: ترك صيام رمضان بغير عذر أو بعضه فهذه معصية كبيرة تنقص الإيمان وتضعفه، وبعض أهل العلم يكفره بذلك.
لكن الصحيح: أنه لا يكفر بذلك ما دام يقر بالوجوب، ولكن أفطر بعض الأيام تساهلا وكسلا. وهكذا لو أخر الزكاة عن وقتها تساهلا أو ترك إخراجها فهو معصية وضعف في الإيمان، وبعض أهل العلم يكفره بتركها، وهكذا لو قطع رحمه أو عق والديه كان هذا نقصا في الإيمان وضعفا فيه، وهكذا بقية المعاصي.
أما ترك الصلاة فهو ينافي الإيمان ويوجب الردة ولو لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "
رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " (1) وقوله صلى الله عليه وسلم: "
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " (2) في أحاديث أخرى تدل على ذلك.
مجموع فتاوى ومقالات_الجزء الأول للشيخ بن باز رحمه الله ----------------------------
(1) سنن الترمذي-كتاب الإيمان ، سنن ابن ماجة-كتاب الفتن ،مسند أحمد-مسند الأنصار رضي الله عنهم .
(2)سنن الترمذي-كتابالإيمان ، سنن النسائي-كتاب الصلاة ، سنن ابن ماجة-كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، مسند أحمد-باقي مسند الأنصار .
هل يمكن أن تعطي المشركين دليلاً على وحدانية الله تعالى ؟.
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ابتعهم باحسن الى يوم الدين اما بعد:
إن الكون كله خلقاً وتدبيراً يشهد بوحدانية الله .. ( ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين ) الأعراف / 54 .
خلق السماوات والأرض .. واختلاف الليل والنهار .. وأصناف الجماد والنبات والثمار .. وخلق الإنسان والحيوان .. كل ذلك يدل على أن الخالق العظيم واحد لا شريك له .. ( ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون )غافر/62 .
وتنوع هذه المخلوقات وعظمتها .. وإحكامها وإتقانها .. وحفظها وتدبيرها كل ذلك يدل على أن الخالق واحد يفعل ما يشاء .. ويحكم ما يريد .. ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) الزمر/62 .
وكل ما سبق يدل على أن لهذا الخلق خالقاً .. ولهذا الملك مالكاً .. ووراء الصورة مصور .. ( هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى ) الحشر/24 .
وصلاح السماوات والأرض .. وانتظام الكون .. وانسجام المخلوقات مع بعضها .. يدل على أن الخالق واحد لا شريك له .. ( لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ) الأنبياء/22 .
وهذه المخلوقات العظيمة إما أنها خلقت نفسها وهذا محال .. أو أن الإنسان خلق نفسه ثم خلقها وهذا محال أيضاً ..( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات و الأرض بل لا يوقنون ) الطور/35 - 36 .
وقد دل العقل والوحي والفطرة على أن لهذا الوجود موجداً .. ولهذه المخلوقات خالقاً .. حي قيوم .. عليم خبير .. قوي عزيز .. رؤوف رحيم .. له الأسماء الحسنى و الصفات العلى .. عليم بكل شيء .. لا يعجزه ولا يشبهه شيء .. ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) البقرة/ 163 .
ووجود الله معلوم بالضرورة وبداهة العقول ..( قالت رسلهم أفي لله شك فاطر السماوات والأرض ) إبراهيم/10.
وقد فطر الله الناس على الإقرار بربوبيته ووحدانيته ولكن الشياطين جاءت إلى بني آدم .. وصرفتهم عن دينهم .. وفي الحديث القدسي ( إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم ) رواه مسلم برقم 2865.
فمنهم من أنكر وجود الله .. ومنهم من يعبد الشيطان .. ومنهم من يعبد الإنسان .
ومنهم من يعبد الدينار أو النار أو الفرج أو الحيوان .
ومنهم من أشرك به حجراً من الأرض .. أو كوكباً في السماء .
وهذه المعبودات من دون الله .. لم تخلق ولم ترزق .. ولا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر .. فكيف يعبدونها من دون الله .. ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) يوسف/ 39 .
وقد نعى الله على من عبد تلك الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل بقوله ( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين - ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ) الأعراف/ 194 - 195 .
وقوله ( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم ) المائدة/76 .
ألا ما أجهل الإنسان بربه الذي خلقه ورزقه .. كيف يجحده وينساه ويعبد غيره .. ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) الحج/ 46.
فسبحان الله وتعالى عما يشركون .. والحمد لله رب العالمين ..( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون - أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أءله مع الله بل هم قوم يعدلون - أمن جعل الأرض قرراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون - أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون- أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أءله مع الله تعالى الله عما يشركون - أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أءله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) النمل / 59 - 64 .
من كتاب أصول الدين الإسلامي : تأليف الشيخ محمد بن ابراهيم التويجري
[center]السؤال : يلاحظ جهل كثير من المحسوبين على الأمة الإسلامية بمعنى لا إله إلا الله وقد ترتب على ذلك الوقوع فيما ينافيها ويضادها أو ينقصها من الأقوال والأعمال فما معنى لا إله إلا الله ؟ وما مقتضاها؟ وما شروطها؟
الجواب : لا شك أن هذه الكلمة وهي لا إله إلا الله هي أساس الدين ، وهي الركن الأول من أركان الإسلام ، مع شهادة أن محمدا رسول الله ، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت " متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
وفي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا - رضي الله عنه - إلى اليمن ، قال له : " إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " الحديث متفق عليه ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة .
ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله : لا معبود حق إلا الله ، وهي تنفي الإلهية بحق عن غير الله سبحانه ، وتثبتها بالحق لله وحده ، كما قال الله عز وجل في سورة الحج : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ " وقال سبحانه في سورة المؤمنين : " وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ " وقال عز وجل في سورة البقرة : " وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ " وقال في سورة البينة : " وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ " والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وهذه الكلمة العظيمة لا تنفع قائلها ولا تخرجه من دائرة الشرك إلا إذا عرف معناها وعمل به وصدق به .
وقد كان المنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار لأنهم لم يؤمنوا بها ولم يعملوا بها . وهكذا اليهود تقولها وهم من أكفر الناس - لعدم إيمانهم بها - وهكذا عباد القبور والأولياء من كفار هذه الأمة يقولونها وهم يخالفونها بأقوالهم وأفعالهم وعقيدتهم ، فلا تنفعهم ولا يكونون بقولها مسلمين لأنهم ناقضوها بأقوالهم وأعمالهم وعقائدهم .
وقد ذكر بعض أهل العلم أن شروطها ثمانية جمعها في بيتين فقال :
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ** محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما ** سوى الإله من الأشياء قد ألها
وهذان البيتان قد استوفيا جميع شروطها :
الأول : العلم بمعناها المنافي للجهل وتقدم أن معناها لا معبود بحق إلا الله فجميع الآلهة التي يعبدها الناس سوى الله سبحانه كلها باطلة .
الثاني : اليقين المنافي للشك فلابد في حق قائلها أن يكون على يقين بأن الله سبحانه هو المعبود بالحق .
الثالث : الإخلاص وذلك بأن يخلص العبد لربه سبحانه وهو الله عز وجل جميع العبادات ، فإذا صرف منها شيئا لغير الله من نبي أو ولي أو ملك أو صنم أو جني أو غيرها فقد أشرك بالله ونقض هذا الشرط وهو شرط الإخلاص .
الرابع : الصدق ومعناه أن يقولها وهو صادق في ذلك ، يطابق قلبه لسانه ، ولسانه فلبه ، فإن قالها باللسان فقط وقلبه لم يؤمن بمعناها فإنها لا تنفعه ، ويكون بذلك كافرا كسائر المنافقين .
الخامس : المحبة ، ومعناها أن يحب الله عز وجل ، فإن قالها وهو لا يحب الله صار كافرا لم يدخل في الإسلام كالمنافقين . ومن أدلة ذلك قوله تعالى : " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ " الآية ، وقوله سبحانه : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ " والآيات في هذا المعنى كثيرة .
السادس : الانقياد لما دلت عليه من المعنى ، ومعناه أن يعبد الله وحده وينقاد لشريعته ويؤمن بها ، ويعتقد أنها الحق . فإن قالها ولم يعبد الله وحده ، ولم ينقد لشريعته بل استكبر عن ذلك ، فإنه لا يكون مسلما كإبليس وأمثاله .
السابع : القبول لما دلت عليه ، ومعناه : أن يقبل ما دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه وأن يلتزم بذلك ويرضى به .
الثامن : الكفر بما يعبد من دون الله ، ومعناه أن يتبرأ من عبادة غير الله ويعتقد أنها باطلة ، كما قال الله سبحانه : " فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله " ، وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه " أخرجهما مسلم في صحيحه .
فالواجب على جميع المسلمين أن يحققوا هذه الكلمة بمراعاة هذه الشروط ، ومتى وجد من المسلم معناها والاستقامة عليه فهو مسلم حرام الدم والمال ، وإن لم يعرف تفاصيل هذه الشروط لأن المقصود وهو العلم بالحق والعمل به وإن لم يعرف المؤمن تفاصيل الشروط المطلوبة .
والطاغوت هو كل ما عبد من دون الله كما قال الله عز وجل : " فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا " الآية .
وقال سبحانه : "
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ " ومن كان لا يرضى بذلك من المعبودين من دون الله كالأنبياء والصالحين والملائكة فإنهم ليسوا بطواغيت ، وإنما الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم وزينها للناس نسأل الله لنا وللمسلمين العافية من كل سوء ، وأما الفرق بين الأعمال التي تنافي هذه الكلمة وهي لا إله إلا الله ، والتي تنافي كمالها الواجب ، فهو : أن كل عمل أو قول أو اعتقاد يوقع صاحبه في الشرك الأكبر فهو ينافيها بالكلية ويضادها . كدعاء الأموات والملائكة والأصنام والأشجار والأحجار والنجوم ونحو ذلك ، والذبح لهم والنذر والسجود لهم وغير ذلك .
فهذا كله ينافي التوحيد بالكلية ، ويضاد هذه الكلمة ويبطلها وهي : لا إله إلا الله ، ومن ذلك استحلال ما حرم الله من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كالزنا وشرب المسكر وعقوق الوالدين والربا ونحو ذلك ، ومن ذلك أيضا جحد ما أوجب الله من الأقوال والأعمال المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كوجوب الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان وبر الوالدين والنطق بالشهادتين ونحو ذلك .
أما الأقوال والأعمال والاعتقادات التي تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كماله الواجب فهي كثيرة ومنها : الشرك الأصغر كالرياء والحلف بغير الله ، وقول ما شاء الله وشاء فلان ، أو هذا من الله ومن فلان ونحو ذلك ، وهكذا جميع المعاصي كلها تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كماله الواجب ، فالواجب الحذر من جميع ما ينافي التوحيد والإيمان أو ينقص ثوابه ، والإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
والأدلة على ذلك كثيرة أوضحها أهل العلم في كتب العقيدة وكتب التفسير والحديث فمن أرادها وجدها والحمد لله ، ومن ذلك قول الله تعالى : " وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ " وقوله سبحانه : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " وقوله سبحانه : " وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى " والآيات في هذا المعنى كثيرة .
ياربالتوبك يعجبكم
[/center]