الشعب يرفض «الترقيع» ورحيل شرف هو الحل

سقطت حكومة عصام شرف في مستنقع الفشل وعجزت عن الوصول الي طوق نجاة، وبدت
ملوثة بالانتكاسات



عن اهداف الثورة، وعندما حاول رئيسها التمسك بالفرصة الأخيرة في النجاة خرج
علينا ببيان كسيح محبط فشل هو الآخر في إعادة التواصل مع موجة الثورة.
وزارة شرف التي شكلت أغرب «كوكتيل» سياسي من ثلاث وزارات سابقة مثلت
أكبر لوبي للعزف النشاز علي لحن الثورة، فكانت أشد خطورة عليها من لوبي
مبارك نفسه فالأخير كان عدوا صريحا وواضحا وجهت إليه الضربات بشكل مباشر..
أما حكومة شرف فبدت عدوا مستترا لم يتعرف عليه أحد إلا بمرور الوقت فكان من
الطبيعي أن ينفجر ميدان التحرير غضبا ويثور عليها مرة أخري.
شرف كان يعتقد أنه يخوض نزهة سياسية عندما قبل المنصب فراح يبحث عن
سعادته في سفرياته الخارجية التي حققت رقما قياسيا ورفض الدخول في حرب كان
يملك كل مقومات المكسب فيها ضد الثورة المضادة وقوي التخريب التي حاولت
سرقة الوطن والثورة مرة أخري وبدا عاجزا عن اتخاذ قرارات مناسبة.
والمتابع جيدا لمسيرة الدكتور شرف ووضعه في المشهد السياسي سيصل الي
نتيجة واحدة.. أنه حاول استنساخ نظام مبارك مرة أخري واستلهم روحه في
الإدارة والحكم حتي ظهر صورة طبق الأصل منه في بعض الاحيان.. بدا ذلك واضحا
في بيانه الأول والثاني بعد مليونية 8 يوليو الماضي التي تشبه الي حد كبير
خطاب مبارك الأول والثاني بعد ثورة يناير.
ففي بيان شرف الأول ارتكب أخطاء كارثية، وظهر كأنه ممسك بكل شيء في يده
وغير مهتم بمطالب الثوار في الميدان حتي انه استخدم نفس عبارات مبارك في
الخطاب الأول من نوعية كلفت.. وأمرت.. وأعطيت تعليماتي» وعندما اشتعلت
المظاهرات الغاضبة ضده اضطر إلي الخروج ببيان آخر علي الناس يتحدث فيه بنوع
من الانكسار والخوف ويحاول استخدام عبارات تصل الي قلوب المتظاهرين مثلما
حاول مبارك أن يفعل في الخطاب الثاني له خلال الثورة.
شرف الذي يعتقد أن أمامه فرصة أخري ليعيد شحن علاقته بالثوار يرفض
الاعتراف بأن كروت اللعبة لم تعد في يديه وأن عليه الرحيل الآن والانصراف
في هدوء من المشهد السياسي وإعلان انسحابة من معركة التطهير والإصلاح التي
رفض خوضها بعد تولية منصبه مباشرة.
فالتعديل الوزاري الذي سيجري الأسبوع المقبل أشبه بمحاولة تجميل فاشلة
لوجه مشوه لن يصلح معه الترميم حتي أن تغير كل الوزراء فالأهم هو تغيير
السياسات والرئيس الذي بدأ مهزوزا وضعيفا في مواجهة قوي صلبة ضد مسار
الثورة.
أزمة عصام شرف الحقيقية أنه حصل علي دفعة معنوية من ميدان التحرير ورخصة
سارية المفعول للوصول الي قلب وعقل الشعب المصري، واستمد شرعية ثورية
أهدرها بعد دخوله مكتبة مباشرة، عندما تعامل بيد مرتعشة ورفض تطبيق القانون
وتعامل مع المظاهرات التي اندلعت منذ اول يوم لتولية منصبه الوزاري امام
مكتبة بنعومة زائدة علي الحد وسعي الي كسب شعبية اكثر بدل سعيه تطبيق
القانون حتي اصبح لقمة سائغة لخصوم الثورة في السلطة.
شرف بدا غير مقنع في إدارته لسياسات الدولة وقام بالعدول سريعا عن
قرارات اتخذها وفتح الباب أمام التيارات المعارضة لتنظيم احتجاجات وهي
لديها ثقة في انها ستحصل علي ما تريد وفتحت أزمة وزارة الآثار الباب لتحقيق
ذلك بقوة فشرف الذي ألغي هذه الوزارة هو نفسه الذي تراجع عن هذا القرار
تحت ضغط المظاهرات الغاضبة وأمر بإعادتها وعلي رأسها زاهي حواس، وهو موقف
وضع البذور الأولي لفكرة عدم الثقة، فخرج السلفيون من القمقم في مظاهرات
تطالب بعودة كاميليا شحاتة ثم فتاة إمبابة ما تسبب في اندلاع حوادث عنف
طائفي غير مسبوقة الخسائر.
الرجل بدا حريصا علي صياغة صورة نمطية لنفسه بأنه «الرجل الطيب» حسب وصف
نائبه يحيي الجمل، أكثر منه حرصا علي العمل، وهي الصورة التي ظهرت ملامحها
عندما أصر شرف علي اصطحاب المصورين معه في أحد مطاعم الفول والطعمية
لتصويره هو وأسرته هناك كما أن دموعه التي أطلقها في برنامج تليفزيوني شهير
وهو يتحدث عن حقوق الغلابة والفقر رسمت له صورة ذهنية - علي عكس رغبته -
يبدو فيها رجلا ضعيفا غير قادر علي اتخاذ قرار فرئيس الحكومة يجب أن يكون
قويا في مواجهة المخاطر ودموعه دليل قلة حيلة.
باختصار شرف تحول الي وزير تطييب الخواطر فغلبت العاطفة علي القانون في
محاولة للحفاظ علي رصيد محبة لدي الناس علي حساب هيبة الدولة والإنجاز
الحقيقي، وهي مهمة لم تعد تجدي بعد الثورة التي يلزمها قرارات تصحيح
للمحافظة عليها ورئيس وزراء قادر علي وضع سياسات وتنفيذها في الوقت نفسه
ولكن شرف لا يتوفر فيه تلك المقومات.
ولم يكن وزراء حكومته بعيدين عن اتباع نفس سياسته بل ان معظمهم كان
الأسوأ في عهد الحكومات السابقة فحالة الضعف والنعومة السياسية والخوف
سيطرت علي أداء معظم الوزراء المنتظر خروجهم في التعديل الوزاري القادم
فهناك عدد كبير منهم لابد أن يغادر الحياة السياسية إذا كان المجلس العسكري
بحق يريد وزارة قوية فعلية أن يقوم بنسف شرف ووزرائه وتسليم المهمة الي
وجوه جديدة قادرة علي العبور بمصر من النفق المظلم الذي تعيش فيه.
فأسوأ وزراء الحكومة الذين يواجهون غضبا شعبيا هو وزير المالية سمير
رضوان الذي اتبع سياسة المخدر في تعامله مع المواطنين فور دخوله الوزارة
حيث راح يطلق التصريحات عن أنه «لا مشاكل وأنه سيتم رفع الحد الأدني للأجور
بدرجة كبيرة وان لدينا احتياطيا نقديا آمنا» قبل أن يستيقظ الناس علي
أوهام معالي الوزير وأكاذيبه فلم يجدوا حدا ادني للأجور بل وزيرا غارقا في
الأزمات والمشاكل ويمارس عمليات خداع متكررة للمواطنين.
نفس الأمر ينطبق علي الدكتور سمير الصياد وزير التجارة والصناعة الذي
جمد أعمال وزارته وكأنها لم تكن، ورفض إصدار أي قرار او وضع سياسات وكأنه
غير موجود أصلا، والدليل هو تجميده لرخصة مصنع الحديد الصادرة في 17 يناير
الماضي لصالح العديد من شركات، ما ضيع علي مصر استثمارات بقيمة 2 مليار
جنيه، أبدي أصحابها استعدادهم لتقديم أي ضمانات تطلبها الحكومة ، لكن
الوزير اكتفي بتحويل الأمر الي لجنة الفتوي بوزارتة وكل ما يعرض عليه يحوله
الي لجان استشارية أو للعرض علي المسئول وكأنه يخشي إصدار أي قرار.
وزير البترول المهندس عبدالله غراب احترق بوثائق تصدير الغاز التي كشفت
عن أنه كان ثاني اثنين قاما بالتوقيع علي العقد سرا حتي أن السفير ابراهيم
يسري كشف حصوله علي عمولة من تصدير الغاز وأنه يتحايل علي القضاء لمنع
تنفيذ حكم وقف تصدير الغاز الي إسرائيل.
المستشار محمد عبدالعزيز الجندي وزير العدل حصل علي دفعة معنوية عند
تعيينه في البداية، سرعان ما تحولت الي هجوم عنيف وصل إلي حد محاصرته داخل
مبني الوزارة ولم يجد غير لغة الاستعطاف ليواجه بها غضب القضاة الذين
أعلنوا العصيان في وجهة فقال لهم «أنا زي أبوكم ولو عايزيني أمشي هاقدم
استقالتي» ولكن تلك الكلمات لم تنجح في امتصاص غضب القضاة.
المستشار الجندي بدا أمام الرأي العام وكأنه متواطئ مع نظام مبارك فكان
يخرج علي الناس بطريقة شبه يومية ليتحدث عن صعوبة نقل مبارك الي طرة كما
انه رفض محاكمة المتهمين بقتل الثوار ورفض قبل مليونية الجمعة الماضية
تفريغ دوائر للمحاكمة إلا أنه عدل عن ذلك بعد بيان «شرف» الأول.. لذا لم
يكن غريبا ان يرفع المتظاهرون صور الرجل في ميدان التحرير وعليها عبارات
النقد ويطالبون برحيله والاستعانة بوزير قوي قادر علي اتخاذ خطوات ايجابية
في محاكمات رموز النظام السابق.
وزير الأوقاف أيضا حقق فشلا ذريعا، فالدكتور عبدالله الحسيني ترك
المساجد نهبا للصراع، حتي آلت إلي قبضة السلفيين والمتشددين الذين قاموا
بطرد أئمتها، كما شهدنا في معركة مسجد النور بين الشيخ حافظ سلامة
والوزارة.
اما الدكتور عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالي فهو من نوعية شرف
نفسه..لم يتدخل يوما لعلاج فيروس الاعتصامات الذي ضرب الجامعات وترك الموسم
الدراسي كله يمر بين اعتصامات وإضرابات واعتراض من الطلبة علي أساتذتهم
دون أن يتدخل وتكفي أزمة كلية الإعلام التي ظلت أسابيع عالقة دون حل بسبب
تعنت الوزير الذي ترك الدراسة معطلة في بعض الجامعات.
وزير الزراعة الدكتور أيمن ابوحديد سار علي نهج أسلافه من وزراء نظام
مبارك ودخل في ازمات عنيفة مع موظفي وزارته بسبب سياسته المتعنتة حتي أن
البعض اتهمه بأنه ينفذ أجندة يوسف والي وأنه أحد رجالة المخلصين الذي يحرص
علي استشارته في أمور الوزارة.
باختصار وزراء شرف هم الأسوأ.. صحيح أن من سبقهم نهبوا ثروات البلد، إلا
أن هؤلاء غير جديرين بإعادة ما نهبه أسلافهم بل استمرار تحصين الفساد
وإبقاء الحال علي ما هو عليه.

الشعب يريد اسقاط الحكومة