كبار
قادة الجيش المصري المنتظَمين في "المجلس العسكري الأعلى" هم الذين يحكمون
مصر فعلياً الآن، ويؤسِّسون دستورياً وسياسياً وأمنياً للدولة المصرية
الجديدة، التي سينبثق "نظام الحكم المدني" فيها، عمَّا قريب، ومن خلال
الانتخابات البرلمانية والرئاسية؛ فهذا المجلس هو السيِّد الحقيقي والفعلي
للمرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر الآن، والتي لا يمكن فهمها، حتى الآن،
إلاَّ على أنَّها مرحلة انتقال من عهد مبارك، أي من عهد هذا الرأس لنظام
الحكم المصري والذي فَصَلَتْه "اليد العسكرية" عن جسد نظام الحكم نفسه، إلى
عهد "نظام حكم مدني"، يريد له "تحالف الإصلاحيين "المصري- الدولي""، أنْ
يكون التغيير الذي فيه يُسْتَبْقى كل ما يجدونه "ضرورياً"، و"مفيداً"،
و"جيِّداً"، من نظام الحكم القديم، الذي كان عهد مبارك شكلاً له ليس إلاَّ.
المؤسَّسة العسكرية المصرية، وعَبْر مجلسها الأعلى برئاسة المشير محمد حسين
طنطاوي، هي التي في يدها الآن مقاليد السلطة الفعلية؛ وهذه الظاهرة ليست
بالظاهرة غير المألوفة في تاريخ الثورات الشعبية الكبيرة، وتُوْصَف بظاهرة
"الحُكْم البونابرتي"، والذي فيه تتولَّى المؤسَّسة العسكرية حسم الأمور
عند اشتداد وتفاقم الصراع بين الشعب والحاكم، فتَعْزِل الحاكم "الذي أصبح
وجوده مُضِرَّاً بمصالح نظام الحكم نفسه" منتصِرة في الظاهر للشعب؛ ذلك
لأنَّ غايتها الحقيقية هي منع اكتمال وإتمام الثورة، بأهدافها ومهمَّاتها
وأساليبها؛ إنَّ التضحية بالرأس هي "المهمَّة النبيلة" التي ينجزها
"الحُكْم البونابرتي" من أجل قطع الطريق على نموِّ وتنامي الثورة الشعبية.
و"المجلس العسكري الأعلى" يحتاج، كمثل كل سلطة جديدة ناشئة، إلى نوع من
"الشرعية" في إنجازه لتلك "المهمَّة النبيلة"، والتي تكمن فيها "غاية غير
نبيلة"، فخَلَقَ إحساساً عاماً، بمعونة بعض قوى الثورة في ميدان التحرير،
بأنَّه يستمدُّ من الشعب "وثورته" شرعيته في الحُكْم وإدارة شؤون البلاد في
"المرحلة الانتقالية"؛ لكنَّ هذه "الشرعية" تظلُّ "شكلية" لجهة تأثيرها
الفعلي في ما يتَّخِذه هذا المجلس من قرارات وإجراءات "بعضها مصيري وحاسم".
ثمَّ عزَّز هذه "الشرعية" من خلال الاستفتاء الشعبي الذي أجراه على
"التعديلات الدستورية" التي كانت له اليد الطولى في وَضْعِها وصوغها.
ولقد كانت تلك "التعديلات" مع الاستفتاء الشعبي الخاص بها، ونتائج هذا
الاستفتاء، مَدْخَلاً وأساساً لقيام "تحالف "أو ائتلاف" الإصلاحيين" الذي
يضم، في المقام الأوَّل، "المجلس العسكري الأعلى"، و"جماعة الإخوان
المسلمين"، والولايات المتحدة.
إنَّ المؤسَّسة العسكرية المصرية، وبعيداً عن صورتها الوهمية في أذهان
الشارع والشعب وبعض قوى الثورة، ليست بالطرف المحايد في أي صراع مصيري
وحاسم بين الشعب ونظام الحكم؛ لكنَّ هذا الذي قُلْت، وعلى أهميته السياسية
الثورية، النظرية والعملية، ليس "الآن على الأقل" بأهمية ما كشفه ذلك الحدث
التاريخي، حدث عَزْل المؤسَّسة العسكرية للرئيس حسني مبارك؛ فإنَّ هذا
العَزْل أوضح وأظْهَر وأكَّد أنَّ الولايات المتحدة لا الدكتاتور حسني
مبارك هي صاحب النفوذ الحقيقي والكبير في داخل هذه المؤسَّسة، وأنَّ مجلسها
العسكري الأعلى يدين للقوَّة الإمبريالية العظمى في العالم، وليس
للدكتاتور مبارك، ولا للشعب المصري، بالولاء، وفي أوقات الضيق والشدَّة على
وجه الخصوص.
"المجلس العسكري الأعلى"، وبالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة، هو الذي
خَلَع الدكتاتور حسني مبارك الذي عَرَف كيف يَجْمَع ويحشد ويوحِّد الشعب
المصري كله في ثورة عظيمة ضده، كان يمكنها وينبغي لها أنْ تمضي في هدمها
لنظام الحكم من رأس هرمه حتى قاعدته، فلا تبقي منه حجراً على حجر.
وهذا التحالف الثنائي "بين المؤسَّسة العسكرية المصرية والولايات المتحدة"
تثَلَّث أخيراً من خلال ضمِّ "جماعة الإخوان المسلمين"، والتي هي القوَّة
السياسية الأكثر تنظيماً وتأثيراً في مصر؛ أمَّا الغاية النهائية، والتي
تتحقَّق من خلال منع الثورة الشعبية الديمقراطية المصرية من أنْ
تَسْتَكْمِل الهدم "لنظام الحكم القديم" لتبدأ هي بنفسها، ولنفسها، بناء
نظام حكم جديد، فهي إعادة بناء الدولة المصرية، ونظام الحكم فيها، وفق
"النموذج التركي"؛ لكن ليس بالمعنى الشائع لهذا النموذج؛ وإنَّما بمعنى أنْ
يكون تحالف الولايات المتحدة والمؤسَّسة العسكرية و"الإسلام السياسي
المعتدل"، كحزب أردوغان و"جماعة الإخوان المسلمين"، هو السلطة الفعلية في
البلاد.
ومع ضمِّ "جماعة الإخوان المسلمين"، وجمهورها الواسع المنظَّم، إلى تحالف
الولايات المتحدة و"المجلس العسكري الأعلى" ينتهي كثيراً من أوجه ومعالم
ومعاني وواقع "الوحدة المباركية "أي التي أنشأها ووطَّدها الدكتاتور
مبارك"" للشعب المصري وثورته، فإنَّ شباب "الفيسبوك" لا يستطيعون الآن حشد
الشعب ضدَّ "المجلس العسكري الأعلى" كما حشدوه من قبل ضد الدكتاتور مبارك؛
فإنَّ لهذا المجلس الآن "شعب" يحميه.
هذا الحُكْم الانتقالي "البونابرتي" بقيادة "المجلس العسكري الأعلى"، ومع
"التعديلات الدستورية" التي أُقِرَّت في استفتاء شعبي، إنَّما يستهدف تقاسم
السلطة المقبلة في مصر بين الأطراف الثلاثة "الولايات المتحدة و"المجلس"
و"الجماعة"" فالرئيس "رئيس الدولة المنتخَب أو المُقْبِل" يكون "مع ما
يتمتَّع به من صلاحيات وسلطات" من حُصَّة "المؤسَّسة العسكرية"، وإنْ كان
في زيٍّ مدنيٍّ؛ و"الغالبية البرلمانية" الجديدة تكون من حصَّة "جماعة
الإخوان المسلمين"، التي، في مقابل إرضائها بالحفاظ على "دينية" الدولة،
دستورياً، وبأشياء أخرى، تُبْقي معاهدة السلام مع إسرائيل، وما تتمتَّع به
الولايات المتحدة من نفوذ واسع في مصر، في الحفظ والصون.
إنَّ شباب الثورة الديمقراطية المصرية، الذين لهم مصلحة حقيقية في المضي في
الثورة حتى النهاية، مَدْعوُّون الآن إلى وعي هذه الحقائق الجديدة،
والتصرُّف بما يوافقها، وبما يجعل تغييرها ممكناً، في آن، وإلى إعادة تنظيم
صفوفهم، وتطوير أساليبهم ووسائلهم في خوض الصراع؛ لكن بما يحافظ على
الطابع السلمي لحراكهم الثوري، ويمنع الصدام مع الجيش؛ فإنَّ معارضة
"المجلس العسكري الأعلى" لا تعني، ويجب ألاَّ تعني، الزَّج بالثورة وقواها
في صراع ضدَّ الجيش